البرنامج العام|بناء مجتمع المشاركة الشعبية

255


القســـم الأول

عـالم متغــير ونضـال متصــل

  1 -المتغيرات المصرية و العربية والدولية

لا نستطيع ونحن نستكشف آفاق المستقبل ونستعد لصياغة برنامج عام جديد أن نتجاهل تلك المتغيرات العميقة فى بنية المجتمع المصرى، وما شهده العالم من حولنا من تطورات شملت مصر والوطن العربي. بل يتعين علينا أن نتعرف على هذه التطورات التى أدت الى تغييرات شاملة مصريه وعربية ودولية وأن نفهم أسبابها وأهم النتائج المترتبة عليها، وأن نركزعلى التطورات والظواهر الأكثر جوهرية الممتدة فى المستقبل .تلك التى ستؤثر بشدة عنى مجتمعنا وعالمنا فى الفترة القادمة، للعمل على تعظيم جوانبها الإيجابية والحد من آثارها السلبية، من خلال إعادة النظر فى مناهج وأساليب عملنا وصياغة رؤية فكرية وسياسية جديدة، نستطيع من خلالها مواجهة الحاضر ومشكلاته، والتقدم بنجاح إلى المستقبل وآفاقه الرحبة، فما هى هذه التطورات والمتغيرات؟ وإلي أى حد تؤثر فى حزبنا وأهدافه ومبادئه العامة؟ وكيف نستفيد منها فى صياغة برنامجنا العام الجديد؟

على المستوى المصري:

 

       تزايدت سيطرة القوى الرأسمالية على الحكم والاقتصاد وتم التخلي التدريجي عن الجزء الأكبر من مكتسبات الطبقات الشعبية التى تحققت نتيجة لثورة يوليو، وتحولت الدولة من أداة لقيادة التنمية وزيادة الاستثمار، وتحديث المجتمع، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي، وإعادة توزيع الدخل لصالح الطبقات الفقيرة عن طريق الملكية العامة، وإعادة توزيع الثروة، ونشر الخدمات المجانية، وضمان تشغيل العاطلين، لتصبح أداة لثراء القلة، وفتح الطريق للتكسب الفردى بطرق مشروعة أو غير مشروعة، وقد أنتج ذلك تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي، وانتشار البطالة خاصة بين الشباب من المتعلمين، وزيادة حدة الفروق الطبقية والاجتماعية، وتدهور مستوى الخدمات التعليمية والصحية وخدمات الإسكان الشعبى وغيرها، مماأدى إلى زيادة نطاق وحدة الفقر، وكذلك الإفقار النسبى لفئات من الطبقة الوسطى ، وإلى تدني نوعية الحياة، وفقدان العديد من الشباب لأى آمال فى المستقبل مما دفعهم بالإضافة إلى أسباب

أخرى لاستخدام العنف والقهر ضد مجتمع وجدوه يحاصر آمالهم، ويتيح لقلة من الطفيليين والفاسدين مزيدا من الثراء ومن الاستهلاك الترفى الاستفزازي.

وقد أدى انخفاض معدلات النمو وانخفاض الطاقة التصديرية، وزيادة الواردات الاستهلاكية الترفيه إلى اتساع العجز فى الميزان التجارى بشكل لم يسبق له مثيل، واقترن أيضا بالعجز فى ميزان المدفوعات . وأنتج ذلك كله زيادة متسارعة فى حجم القروض الخارجية التى استمرت فى الزيادة والتراكم لتصل فى بداية التسعينات إلى ما يتجاوز 0ه بليون دولار.

إن هذا الرصد للاتجاه العام للتحولات فى مصر، لا ينفى حدوث تقدم جزئى فى بعض المجالات، ونذكر على وجه التحديد:

أ حدوث تطور ملموس فى مجال البنية الأساسية، وعلى الأخص فى مجال المرافق العامة وعنى رأسها الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي والطرق والمواني.

ب استمرار التحسن التدريجي في بعض مؤشرات التنمية البشرية، وخاصة في مجال         نقص معدلات الأمية، وارتفاع توقع الحياة عند الولاد،ة ونقص معدلات وفيات الأطفال أقل من خمس سنوات.

ج التسريع في معدلات بناء المدارس، بعد أن وصل التدهور فىالأبنية التعليمية والتكدس     فى الفصول حدا خطيراً.

د التحسن فى إنتاجية بعض الحاصلات الزراعية وعلى رأسها القمح . رغم تدهور انتاجية حاصلات أخرى وعلى رأسها القطن .

هـ تنفيذ نظام التأمين الصحى للطلاب الذى يفترض ان يستفيد منه 16 مليون طالب.

ولا يتنافىذلك مع ما تؤكده الأرقام عن انخفاض معدلات النمو، وخاصة النمو الصناعي منذ الثمانينات مع حقيقة نشوء مناطق صناعية جديدة فى مناطق مثل العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر والعامرية وغيرها، فالنشاط الجديد كان يقابله تدهور صناعات أخرى بكاملها (النسيج مثلا) بما أنتج معدلات إجمالية ضئيلة للغاية للتقدم الصناعي، فقد تخلت الدولة عن قيادة حركة تصنيع سريعة ومتكاملة تشمل كل قطاعات الصناعة بغض النظر عن ملكية المصانع.

وفىظل هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية شهد المجتمع المصرى مزيد من القيود المفروضة على الحياة السياسية، وتراجعا فى الأوضاع الديمقراطية المنقوصة أصلا.

لم يكتف الحكم بالعيوب الجوهرية فى دستور ا 197 وخاصة نظام الحكم الذى يقوم على جمع كل االسلطات تقريبا فى يد الرئيس الذى لا يخضع للمساءلة، بل عمدت الى تقيد التعددية السياسية والفكرية واحتكار السلطة لحساب حزب واحد، ووجود سلسلة من القوانين الإستثنائية والمواد القانونية تنتهك حقوق الإنسان والحريات العامة، يتعارض بعضها مع نصوص فى الدستور ذاته، واحتكار الحكم لأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة وتعبيرها أساساً عن الحزب الحاكم وسياسته، كما فرضت حالة الطوارى بصورة متصلة منذ عام 1981 دون أن يبدو فى الآفاق نهاية لهذا الوضع الشاذ الذى يعطل نصوصا أساسية فى الدستور والقوانين العامة .

ومارست أجهزة الأمن فى ظل حالة الطوارئ الاعتقالات العشوائية والتعذيب بصورة منهجية جعلتها سياسة ثابتة معتمدة من الحكم وأجهزة الأمن، وأصبح العقاب الجماعي للمواطنين وسيلة مألوفة لتأديب المصريين من خلال حملات تشنها قوات الأمن المركزي على بعض القرى والأحياء السكنية، ومن خلال التصدى لأى تحرك عمالي أو فلاحي أو طلابي سلمي للمطالبة بحقوق اقتصادية أو اجتماعية أو نقابية.

   وصدرت سلسلة من القوانين الإستثنائية التى تنتقص من الهامش الديمقراطي المحدود، وتوسع الحكم فى تزوير الانتخابات والاستفتاءات العامة.

وتعرضت النقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية ومنظمات المجتمع المدنى عامة لاعتداءات مختلفة من السلطة هددت بشل مؤسسات المجتمع المدني عامة .

   وعلى الضفة الأخرى تصاعدت ظاهرة الجماعات التى ترفع شعارات منسوبة للإسلام ترفض المجتمع القائم، تكفره وتسعى لتغييره بالعنف والقوة، ومارست هذه الجماعات العديد من عمليات القتل والاغتيال الفردى والجماعى الذى استهدف رجال الشرطة والمواطنين العاديين مسلمين ومسيحيين والكتاب والمفكرين وبعض رموز الحكم .

ولجأ بعض المقربين من هذه الجماعات أو المعبرين عن فكرها إلى ملاحقة المفكرين والكتاب والمبدعين لتكفيرهم واتهامهم بالردة ومصادرة إبداعاتهم.

   ولم تستطيع الأحزاب والقوى السياسية فى ظل هذه الأوضاع المنافية للديمقراطية، وعدوان الحكم الدائم عليها وحملاته الدائمة ضد الأحزاب وأعضائها النشطين وعلى فكرة التعددية ذاتها، وفى طل غياب أو تعثر الديمقراطية الداخلية فى أغلبها، وافتقاد قناعة حقيقية بالديمقراطية بين عديد من كوادر وقيادات الأحزاب، ويأس النخبة والجماهير من التغيير فى ظل هيمنة الحزب

التعليقات مغلقة.