بيان المكتب السياسي بشأن الازمه المالية العالمية واثرها على الاقتصاد المصري

16٬674

 

ثانياً – أثر الأزمة على مصر

يري التجمع أن تطبيق الليبرالية الاقتصادية الجديدة في مصر – في الصورة المعروفة بتوافق واشنطون أو سياسات الانفتاح و التثبيت والتكيف الهيكلي – قد زاد من انفتاح الاقتصاد المصري على الخارج وجعله أكثر تعرضاً للصدمات الخارجية. كما أن الانسحاب الكبير للدولة من المجال الاقتصادي بالخصخصة و إلقاء مهمة التنمية على كاهل قطاع خاص هش ومحدود القدرات وتابع للشركات متعدية الجنسيات ،وفتح المجال أمام الأجانب للعمل في البورصة وفي المجالين المصرفي والتأميني،والاندفاع في طريق تحرير التجارة وانتقال الأموال عبر الحدود… كل ذلك قد حرم الدولة من أدوات كثيرة كان من الوارد تشغيلها للحد من انتقال الأزمة إلى مصر أو للتلطيف من آثارها.

 

ولذا فإن التجمع يلوم النظام الحاكم على ما صدر منه في أول الأمر من تصريحات تنفي أثر الأزمة على مصر. كما أنه يرى أن اعتراف النظام لاحقاً باحتمال تعرض الاقتصاد المصري لآثار سلبية جاء متأخراً،وشابته الرغبة في الطمأنة أكثر مما يتناسب مع الواقع المر. كما أن المقترحات الحكومية للتعامل مع الأزمة أقل مما يجب،وهي تنحاز لمصالح رجال الأعمال أكثر من انحيازها لمصالح الغالبية التي أرهقتها سياسات الاقتصاد الحر والاندماج في الرأسمالية المعولمة التي لم يزل نظام مبارك مصراً على التمسك بها، وكأنه أكثر ملكية من الملكيين أنفسهم الذين لم يترددوا في التمرد على هذه السياسات من أجل مواجهة الأزمة.

لقد مال النظام الحاكم اإلى التخفيف من أثر الانهيار الذي أصاب البورصة وأطاح بنحو 60% من قيمة مؤشرها في أقل من أربعة شهور ،وذلك بحجة أن هذه مجرد حالة نفسية طارئة لن تلبث أن تزول. وربما يكون الجهاز المصرفي أقل تعرضاً لآثار الأزمة، لكن هذا لا يعني أنه بمنأى عنها كلية. وعلى كل حال ،فإن القضية الأساسية ليست فيما إذا كان الجهاز المصرفي قادراً على استيعاب الأزمة، وإنما في قدرة أو عدم قدرة الاقتصاد المصري على استيعاب الأزمة.وحسناً فعلت الحكومة باعترافها بالآثار السلبية المحتملة على الصادرات وإيرادات البترول وقناة السويس و السياحة وتحويلات المصريين في الخارج والاستثمار الأجنبي المباشر.ولكن ينبغي أن نضيف إلى ذلك احتمالات تناقص المعونات الأجنبية وتقلص فرص الاقتراض من الخارج.

وإذا كانت الحكومة تتوقع انخفاض معدل النمو الاقتصادي من 7.1% كما هو مستهدف في خطة 2008/2009 إلى حوالي 6% أو 5.5% ،فإن المقارنة مع التوقعات لاقتصادات أقوى كثيراً من الاقتصاد المصري مثل الاقتصاد الصيني ترجح هبوط معدل النمو إلى 4.3%، وذلك إذا ما استمر التمسك بالسياسات الحالية.وهو ما سيترتب عليه زيادة كبيرة في معدل البطالة وفي نسبة السكان الفقراء، وإلحاق أضرار شديدة بالطبقة المتوسطة.

ثالثاً – إجراءات عاجلة

في ضوء ما تقدم يري حزب التجمع أنه من المهم اتخاذ عدد من الإجراءات العاجلة للحيلولة دون وصول معدل النمو إلى هذا المستوى المتدني،ولتخفيف الآثار السلبية المرتقبة في مجال التشغيل والفقر وتوزيع الدخل. كما يري أنه من المهم ألا يلقي بأعباء مواجهة الأزمة على كاهل الطبقات الشعبية والوسطي.،وألا تتحول معالجة الأزمة إلى فرصة لاغتنام الأغنياء مزيداً من المكاسب،وهو ما ظهر في مطالبات الرأسمالية المصرية بعدم زيادة أسعار الطاقة وزيادة دعم التصدير والإعفاءات الضريبية وغير ذلك من المزايا.و الظاهر أن الحكومة سوف تستجيب لهذه المطالب.

وفي المقابل ،يقترح التجمع الإسراع باتخاذ الإجراءات التالية:

  • إعادة ترتيب أولويات الانفاق العام وزيادته اعتماداً على السيولة الفائضة في البنوك.ويتضمن ذلك التخلص من الانفاق غير الضروري ،وتوجيه القدر الأكبر من الانفاق العام ليس فقط إلى الخدمات والبنية الأساسية،بل وإلى الاستثمار العام في مشروعات انتاجية تعوض النقص المتوقع في الانتاج والتشغيل،مع العمل على إعادة هيكلة الانتاج لصالح الصناعة والزراعة. ولن يتيسر ضبط الانفاق العام وترشيده إلا إذا التزمت جميع الوزارات و الهيئات العامة –بما فيها أجهزة الدفاع والأمن والرئاسةوما إليها – بالإفصاح عن تفاصيل موازناتها وأخضعت للرقابة الشعبية.
  • وقف الخصخصة عموماً،ووقف خصخصة البنوك خصوصاً، والتمسك بتواجد القطاع العام في هذا القطاع الحيوي.
  • فرض ضوابط قانونية على العمل في البورصة للحد من المضاربات الطائشة، وذلك بحظر بعض أنواع التعامل كالبيع والشراء في نفس الجلسة أو في وقت قصير، ومنع التعامل في المشتقات.،ودعوة الشركات التي لديها شهادات إيداع متداولة في الخارج (وهي أكبرناقل للعدوي من الخارج)لتحويلها إلى أسهم محلية. وفضلاً عن ذلك، يجب فرض ضريبة على الربح المتحقق للمتعاملين في البورصة.
  • فرض قيود على انتقال الأموال عبر الحدود، والامتناع عن المزيد من إجراءات التحرير المالي ،لا سيما تحرير الخدمات المالية في إطار منظمة التجارة العالمية.
  • تعديل قانون الضرائب على الدخل بما يتيح درجة أعلى من التصاعدية تجعل العبء الضريبي متناسباً مع القدرة على الدفع، وتساعد على دعم الموارد العامة وتضييق الفوارق بين الطبقات.كما ينبغي أن يتضمن التعديل فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية ،أي على الدخول الريعية التي لا فضل للجهد البشري في كسبها.
  • الحد من الاستهلاك الترفي ومن الواردات الكمالية ،وذلك من أجل زيادة الادخار، ومن ثم زيادة الموارد المتاحة للاستثمار وزيادة الانتاج وفرص العمل.

 

رابعاً- العلاج الجذري

يري حزب التجمع أن هذه الاجراءات العاجلة قد تخفف من وطأة الأزمة-وذلك فيما لو تبنتها الحكومة،وهو ما لا نتوقعه – ولكنها لا تعالج الجذور الحقيقية لهشاشة الاقتصاد المصري ومن ثم تأثره الشديد بالتقلبات الخارجية،ناهيك عن التصدي لتخلفه وتبعيته. وهذه الجذور كامنة في منهج الليبرالية الاقتصادية الجديدة ،أي سياسة الاقتصاد الحر المنفتح على الخارج والمندمج في النظام الرأسمالي العالمي التي لم يزل نظام مبارك يؤكد التمسك بها .فالشواهد كثيرة على عجز هذا المنهج وما يتفرع عنه من سياسات عن تحقيق تنمية جادة في بلادنا طوال ما يزيد على ثلث قرن، وكذلك عجزه عن تحقيق هذه الغاية في بلاد نامية كثيرة.

والأدلة كثيرة على أن السوق لا يصنع تنمية، وأن تحرير التجارة ليس قاطرة التنمية كما يزعمون. كما أن الخبرة التاريخية وكذلك الأزمة العالمية الحالية تبرهن على فساد الاعتقاد بأن الأسواق قادرة على تصحيح نفسها بنفسها،وتؤكد أن العولمة الاقتصادية لبست قدراً محتوماً وأنها قابلة للارتداد أو على الأقل للمراجعة للحد من شططها وتوحشها. وإذا كان من الصعب التكهن بأن الأزمة الحالية ستؤدي إلى وفاة الرأسمالية، فإنه من المؤكد أنها أطاحت بالليبرالية الاقتصادية الجديدة.وأن الرأسمالية والعولمة قد دخلتا في طور جديد يعيد للدولة دوراً أساسياً في ضبط الحركة الاقتصادية ،وفي الحد من تهور الرأسمالية وجنون العولمة ،وذلك بوسائل متعددة بما فيها ملكية الدولة لبعض وسائل الانتاج.

لقد أكدت الأزمة الحالية صحة ما دعا إليه حزب التجمع في برنامجه العام من أن طريق التنمية الرأسمالية طريق مسدود، وأن البديل هو طريق التنمية المستقلة،أي التنمية المعتمدة في المقام الأول على القدرات الذاتية للمجتمع المصري،والتي نأمل أن تمهد لبناء مجتمع الاشتراكية على المدى الطويل.

ومن أهم عناصر النموذج البديل الذي نطرحه على الشعب زيادة الادخار المحلي لاتاحة موارد أكبر لتطوير القدرات الانتاجية والتنافسية،لا سيما في المجالين الزراعي والصناعي. ومنها اضطلاع الدولة بدور أساسي في قيادة التنمية والمشاركة في الاستثمار والانتاج، وذلك عن طريق تخطيط ديمقراطي جاد يجري في إطاره النشاط الانتاجي- لا الطفيلي- للقطاع الخاص،ويسمح في سياقه بالعمل لآليات سوق منضبط، ويتم من خلاله ضبط معاملات الاقتصاد الوطني مع الخارج بوسائل الحماية المؤقتة والمتدرجة وبانفتاح يتواكب مع نمو القدرات الانتاجية والتنافسية للاقتصاد الوطني .ومنها المشاركة الديمقراطية التي لن تكون لصالح الشعب إلا إذا اقترنت بإجراءات قوية لإعادة توزيع الدخل والثروة.وأخيراً فإن من أساسيات نموذجنا تعزيز الاعتماد القطري على الذات باعتماد جماعي،يقوم على الاستثمار والانتاج المشترك –وليس على التبادل التجاري الحر- مع الدول العربية خصوصاًوالدول النامية الأخري عموماً

ولعل الظروف العالمية قد أصبحت مواتية على نحو أكبر لتطبيق هذا البديل، وذلك بحكم ما سوف تسفر عنه الأزمة من تحولات في خريطة القوى السياسية والاقتصادية. ومن أبرزهذه التحولات التراجع المتوقع في مكانة الولايات المتحدة،وبروز قوي جديدة مثل روسيا والصين تمهد لظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهوما يتيح أمام الدول النامية هامش المناورة الذي كاد أن يتلاشى في ظل الهيمنة الأمريكية.

 

التعليقات مغلقة.