مقال بجريدة الوطن للدكتور رفعت السعيد “سيادة الرئيس.. أنقذنا من عبث الحكومة”
رفعت السعيد سيادة الرئيس.. أنقذنا من عبث الحكومة
أعتذر، مقدماً، عن كلمة «عبث» لكن ما حيلتى إذا كان الأمر أسوأ كثيراً من العبث وكانت هى الأكثر تأدباً. وأصل الحكاية أننى طالعت فى صحيفة قومية مسائية موضوعاً عن «العبث» بأسعار مياه الشرب ورفعها إلى درجة غير عاقلة. فبدأت رحلة بحث عن تفاصيل الأمر. وتبدأ القصة برسالة من اللواء أبوبكر عبدالكريم، مساعد وزير الداخلية لقطاع الإعلام والعلاقات، إلى وكيل أول وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية، وسأنقل من الرسالة حرفياً: «بشأن تقرير الرأى العام حول مشكلات المواطنين المعيشية للعمل على تخفيف الأعباء عن كاهل محدودى الدخل تنفيذاً لتوجيهات السيد رئيس الجمهورية للتصدى للمشاكل الحياتية التى يعانى منها المواطنون».. وبعد ذلك تذكر الرسالة أن استطلاع الرأى العام كشف عن [ومرة أخرى أنقل حرفياً] «المشكلات المتعلقة بمياه الشرب حيث الزيادة فى أسعار فواتير الاستهلاك التى قد تصل إلى خمسة أضعاف الفواتير السابقة».. ثم «رجاء التفضل بالنظر والتنبيه باتخاذ ما ترونه سيادتكم مناسباً فى هذا الشأن».
هكذا أثبتت وزارة الداخلية حرصاً على مصالح المواطنين فى موضوع شديد الحساسية وهو مياه الشرب وناشدت الحكومة اتخاذ ما تراه مناسباً.. فماذا كان رد الحكومة على الرسالة المؤرخة فى 13-12-2015؟
جاء الرد فى اجتماع مجلس الوزراء المنعقد فى 22-12-2015، فى شكل رسالة موقعة من لواء. أ.ح عمرو عبدالمنعم أمين عام مجلس الوزراء موجهة إلى الدكتور مصطفى مدبولى وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية حول قرارات الجلسة رقم 13 المنعقدة برئاسة السيد المهندس شريف إسماعيل بتاريخ 22-12-2015. وفيها نصاً: «الموافقة على تطبيق أسعار مياه الشرب المقرر تطبيقها فى 1-7-2016 لتكون بدءاً من 1-1-2016 مع تعديل أول شريحة لتكون 30 قرشاً للمتر المكعب وذلك للاستهلاك المنزلى والربط الثابت. ونتأمل. هناك تعليماتكم يا سيادة الرئيس وهناك تحذير من وزارة الداخلية، ويكون الرد رفع الأسعار بصورة غير منطقية وبدلاً من أن يتم هذا الرفع 1-7-2016 استعجلوا الكارثة لتتم فى 1-1-2016.
والآن، هل تأذن سيدى الرئيس أن أتابع وقع هذه الزيادة؟
■ سعر المتر المكعب كان عشرين قرشاً وهو ما أعرب المواطنون عن استيائهم منه. فتم رفع السعر إلى 30 قرشاً. بالنسبة للشريحة الأدنى وهى من صفر إلى عشرة أمتار مكعبة.
■ وهناك ما يسمى «بند الاستدامة»، وهو خمسة جنيهات على كل عداد، تحول إلى خمسة جنيهات على كل شقة أى إذا كان هناك عداد واحد يخدم بيتاً من عشرين شقة فإن تسعيرة الاستدامة تصبح مائة جنيه. وبالمناسبة هل يمكن لأحد أن يشرح لنا معنى كلمة «الاستدامة»؟ وهذا بالنسبة لأسرة تستهلك فى الشهر 10 أمتار مكعبة وهو حد متدنٍّ جداً ويكاد يكون خطيراً بالنسبة لتحقيق إمكانيات النظافة الضرورية للحفاظ على صحة الإنسان بل يؤدى إلى الأوبئة التى ستكلفنا كثيراً إذا وضعت الحكومة فى حسبانها أن هؤلاء مواطنون يجب علاجهم.
■ أما الشريحة الثانية وهى من صفر إلى عشرين متراً مكعباً وهى تضم تقريباً 70% من المستهلكين فقد تحدد سعر المتر المكعب بسبعين قرشاً، أى 14 جنيهاً فى الشهر يضاف إليها خمسة جنيهات استدامة ويضاف إليها صرف صحى بنسبة 86%= 16٫3 أى أن إجمالى الفاتورة يكون خمسة وثلاثين جنيهاً وثلاثين قرشاً. ولأن الفاتورة تحسب كل شهرين فستكون فاتورة مياه المستهلك كحد أدنى سبعين جنيهاً وستين قرشاً. ولا بد أن نلاحظ أن التعليمات المشددة هى قطع المياه فوراً عن المستهلك إذا لم يسدد الفاتورة، ونتأمل حال 70% من المستهلكين وهم بلا ماء، ويتسولون المياه من أين؟ لأ أدرى. وتنتشر حالة من افتقاد نظافة مع ما يصاحبها من انهيار فى مستوى الحالة الصحية. ولأن الحكومة قوية وحاسمة بالذات مع الفقراء فستكون هناك سلطة الضبطية القضائية لموظفى التحصيل. والآن لا أمتلك إلا أن أسأل: هذه الحكومة «مع من؟ وضد من؟ وهل نتصور أنها قادرة على إقناع المواطنين بضرورة السداد بحجة أن التكلفة الفعلية هى فعلاً سبعون قرشاً للمتر المكعب؟ وهل وضعت فى اعتبارها مستوى الدخل والأجور وإمكانية السداد؟ وهل وضعت فى اعتبارها احتمال رفض المواطنين أو عجزهم الفعلى عن السداد؟ وهل راجعت تصرفاتها إزاء كبار كبار المليارديرات الذين يزدادون ثراءً ويرفضون أى مساهمة فعلية بفائض أموالهم -وهو كثير ووفير- فى حل مشكلة العجز فى الموازنة؟
كبار المليارديرات هؤلاء هم الذين رفضوا أى مساس بأرباحهم الجنونية التى اعتبروها حقاً مكتسباً لا يمكن المساس به، والذين حاولتم سيادتكم التعامل برفق معهم وأعطيتهم نماذج من فقراء ومعدمين تبرعوا بآخر قرش يمتلكونه لصالح الوطن لكن السادة المليارديرات لم يستشعروا أى حرج، ولم تلن قلوبهم الحجرية ولم يستمعوا إلى الآية القرآنية «وفى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم» وتمسكوا بشعارهم «البحر يحب الزيادة» وأن الوطن عندهم ليس سوى محطة لمنحهم المزيد من الأرباح المجنونة وهم يرفضون مثلاً أى ضرائب تصاعدية مثل التى يدفعونها خلال استثماراتهم فى الخارج، ويواصلون سياسة الابتزاز مع حكومة تعشق الخضوع لابتزازهم وتعتبره حقاً لهم كسادة لهذا الوطن، وتعتبر أن مطالبة الفقراء بالخبز الحاف، فقط الخبز الحاف للأطفال، ابتزازاً غير مقبول وتطالب وياللدهشة على لسان رئيس الوزراء «بتحييدهم» وهو تعبير عبثى يعنى بالضبط عدم الدفاع عنهم ولكننا سنواصل. ولأننا يا سيدى الرئيس لم نختبر بعد مدى نفوذ السادة المليارديرات على البرلمان، خاصة على من أنفقوا عليهم كى يصلوا إلى العضوية، فإننا لا نجد يا سيدى الرئيس سواك؛ فافعلها يا سيدى وافرض على هؤلاء الوزراء فرض احترام حقوق الفقراء، وفرض عدم الارتعاش أمام المليارديرات.
وختاماً يا سيدى الرئيس.. أؤكد لك ما تعرفه من احترامى لشخصك وإشفاقى مما تواجه من صعوبات ومن عجز وزراء، ومن عدم قدرتهم على الإحساس بمشاعر الفقراء وأزمات حياتهم اليومية.
ويا سيدى الرئيس.. صدقنى وأنت تعرف مدى احترامى لمصالح الوطن والاستقرار فى ربوعه.. صدقنى عندما أقول قول شاعر قديم:
«أرى تحت الرماد وميض نار ويوشك أن يكون له ضرام»..
فصبركم على صلف وتحجر قلوب المليارديرات ثم صبركم على «عبث» بعض الوزراء، يقابله بالضرورة تسرب فى إمكانيات صبر الفقراء، وهذا ما أخشاه.. وأكتفى بذلك ولكم يا سيادة الرئيس كل الاحترام.
التعليقات مغلقة.