جودة عبدالخالق: صندوق النقد يعتبر دعم الفقراء تدخلا شريراً فى السوق!.. أدعو لعقد مؤتمر قومى للخروج من الأزمة الاقتصادية

21

جودة عبدالخالق: صندوق النقد يعتبر دعم الفقراء تدخلا شريراً فى السوق!.. أدعو لعقد مؤتمر قومى للخروج من الأزمة الاقتصادية

مطلوب: تعديل قانون العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأرض الزراعية وتعديل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية

أكد د. جودة عبد الخالق، أمين اللجنة الاقتصادية فى حزب التجمع، وزير التموين الأسبق، إن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لن يؤدي إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية بعد الانتهاء من تنفيذ البرامج، نظراً لإهمال الصندوق إعادة هيكلة الاقتصاد، مشيرا إلى أن مصر، بعد عدة سنوات، ستضطر إلى اللجوء مرة أخرى للصندوق، نتيجة تدهور الأوضاع المؤشرات المالية، كما حدث فى التسعينيات.
وحذر د. جودة، فى حواره مع « الأهالي « من تزايد الدين العام وخاصة الدين الخارجي على الاقتصاد المصري، وقال إن معالجة الحكومة لكبح جماح التضخم خاطئة، لاعتماده على « كتالوج « الصندوق، مشيرا إلى أن أسباب التضخم فى مصر ليست نقدية فقط، بل نتيجة لضعف الإنتاج والاحتكارات فى السوق المصري، ودعا إلى تعديل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وأضاف أمين اللجنة الاقتصادية إن على الرئيس عبد الفتاح السيسي الدعوة لعقد مؤتمر وطني أو اجتماع يضم الحكومة وجميع الأعمال والنقابات العمالية والفلاحين لدفع عجلة الاستثمار، والتوصل إلى تفاهمات وتنازلات على غرار التجربة الإسبانية.
وطالب د. جودة بتعديل قانون العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأرض الزراعية، وتحسين الصرف الزراعي، والاهتمام بالصناعة للخروج من الأزمة الاقتصادية.. فإلى نص الحوار :

*لجأت مصر للاتفاق مع صندوق النقد الدولي أكثر من مرة.. فلماذا ؟
** منذ عهد عبد الناصر، وفى عام 1962 لجأت مصر لتوقيع اتفاق مع الصندوق، وفى عهد السادات حدث اتفاق عام 1978، وفى عهد مبارك جرى توقيع أكثر من اتفاق، ففى الثمانينيات وقع اتفاق ولكنه لم ينفذ، وفى عام 91 تم توقيع اتفاق مع الصندوق، وهو ما سمى ببرنامج الاصلاح الاقتصادي، وخلال الفترة الانتقالية، رفضت القوات المسلحة التي كانت تدير البلاد الاقتراض من الخارج، وأثناء حكم الجماعة الإرهابية، كان هناك محاولة للإتفاق مع الصندوق ولكنها لم تتم، وأخيرا فى عهد الرئيس السيسي تم توقيع الاتفاق الأخير.
وجوهر كل هذه المحاولات للإتفاق مع الصندوق أنك تحاول ان تأتي بحلول من الخارج لمشاكل الداخل، بمعنى أن خبراء الصندوق من وجهة نظر الحكومات المتعاقبة- قادرون على حل مشاكل الاقتصاد المصري، وأنهم يعرفون مشاكل الاقتصاد أكثر من المصريين، وبالتالي تقبل هذه الحكومات شروط الصندوق بسهولة دون نقاش.
مزايا وعيوب
* لكن هل الاتفاق مع الصندوق يفيد الاقتصاد المصري ؟
** هناك مزايا وعيوب للاتفاق مع الصندوق، والمحصلة النهائية تكمن من زيادة المزايا مقابل السلبيات، فمن المزايا على سبيل المثال، عندما توقع اتفاقا يكون هناك التزام واضح وصريح بمجموعة من الإجراءات لإصلاح الاقتصاد، وأهمها خفض تدريجي لعجز الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى أن الصندوق يفتح تمويلا بشروط ميسرة وبأسعار فائدة منخفضة، كما أنه يوسع حدود الحركة بالنسبة لمتخذ القرار، لأن الاتفاق يكون مؤشرا للجهات الخارجية على تحسن الاقتصاد مستقبلا وبالتالي شهادة ثقة فى الاقتصاد.
أما العيوب، فتتركز فى الآتي : فالمتابع لإنشاء الصندوق وأهدافه يجد أن الصندوق يعمل على المؤشرات المالية فقط، ولا علاقة له بالاقتصاد الحقيقي ( الزراعة والصناعة)، وفى الاتفاق الأخير مع الصندوق يطالب بخفض عجز الموازنة. والعجز وصل إلى ما بين 10 و120% وهو رقم كبير، والمعدل الطبيعي للعجز أن يكون فى حدود 3% فقط، لكن الصندوق لا يقول كيف تخفض هذا العجز، هل سيكون بزيادة الإيرادات، على سبيل المثال، وهذا أمر محمود، لكن الصندوق ينظر إلى خفض الانفاق، خاصة بند الدعم، وهذا ناتج من أيديولوجية الصندوق أن الدعم نوع من التدخل الشرير فى السوق، ولابد من التخلي عنه، مثلا دعم الطاقة، فالصندوق يرى أن دعم الطاقة يؤدي إلى عدم الاستخدام الرشيد للطاقة، لكن لا يمكن أن تكون أسعار الطاقة متدنية لأصحاب الدخول العليا.
وإذا استخدمنا الإداة السعرية فى بند الطاقة، وأصبحت الأسعار فى مستوى الأسعار العالية، كما يريد الصندوق، فمعنى ذلك أنك سترفع أسعار الطاقة للجميع، فى ظل تفاوت الدخول، مما سيؤثر سلبيا على مستوى الاقتصاد، أما دعم الغذاء فالصندوق لا يناقش كثيرا رفع الدعم ولكن ترشيده ووصوله لمستحقيه.
تعويم الجنيه
* هل يعتبر تعويم الجنيه من عيوب الاتفاق مع الصندوق ؟
** بالطبع.. فالاقتصاد يعاني من عجز واضح، وسببه سعر العملة، والاتفاق فرض على مصر تعويم الجنيه، والحكومة اندفعت فى هذا الاتجاه بشكل غير مدروس، فـ « كتالوج « صندوق النقد الدولي يشير إلى أنه عندما تعوم العملة سيكون الانتاج أرخص وتصدر أكثر، والاستيراد أقل وبالتالي يحدث توازن للميزان التجاري، ويحدث توقعات مالية مع شهادات الثقة التي منحها الصندوق وبالتالي يتحسن ميزان المدفوعات.
لكن الواقع المصري غير « كتالوج « الصندوق، لأن الإنتاج فى حالة مصر، فى كل قطاعاته، مع تفاوت النسبة، يعتمد على استيراد مكونات ومستلزمات الإنتاج من الخارج، إذن تخفيض سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية سيزيد من تكلفة الإنتاج، وبالتالي انخفاض التنافسية سواء مع المنتج المحلي فى الأسواق المحلية، أو مع المنتج الأجنبي فى الأسواق المحلية والخارجية.
وبالنسبة للاستهلاك، فمصر تعتمد على استيراد نحو 50 بالمائة من الغذاء الأساسي، وبالتالي تخفيض قيمة الجنيه سيزيد من فاتورة الواردات، وبالتالي زيادة بند الدعم كما حدث فى الموازنة العامة الجديدة للدولة.
وأخيرا أقول أن الاتفاق مع الصندوق يهمل الاقتصاد الحقيقي ويفتح الباب على مصراعيه للاستدانة بشكل أصبح يمثل خطورة على مستقبل الاقتصاد.
وهناك بعض الدول رفضت تعويم عملتها من خلال التفاوض مع الصندوق، واتخاذ اجراءات لخفض الواردات للاحتفاظ بالعمل، لكن ما حدث فى مصر، هو تفريط من جانب الحكومة المصرية فى التفاوض مع الصندوق.
نتائج غير مضمونة
* هل تتوقع فى نهاية فترة الاتفاق مع الصندوق أن يستقر الاقتصاد المصري ؟
** أشك فى ذلك، والسبب أن البرنامج كما ذكرت أدى إلى الافراط الشديد فى الاستدانة، من ناحية، ومن ناحية أخرى يهمل الاقتصاد الحقيقي، وبالتالي بعد الانتهاء من تنفيذ البرنامج ستعاود الكرة مرة أخرى، من الانفلات المالي، وسيزيد عجز الموازنة مرة أخرى، كما حدث بعد عدة سنوات من اتفاق التسعينيات.
سعر الدولار
* فى الموازنة الجديدة.. الحكومة حددت سعر الدولار بـ 16 جنيهًا.. هل تتوقع تغيرا فى سعر الدولار خلال الفترة المقبلة ؟
** المسألة على أي أساس تتوقع تحرك سعر الجنيه أمام العملات الأخرى، هل من الممكن أن يتحسن الاقتصاد بما يزيد من تحسن قيمة الجنيه.. الموازنة العامة الجديدة حددت سعر الدولار بـ 16 جنيها، لكن السعر الحالي المستقر منذ قرار التعويم يدور فى حدود 18 جنيها، وفى ضوء قرار البنك المركزي الأخير يرفع القيود على التحويلات للخارج، سيزيد الطلب على العملة الأجنبية، وبالتالي من الممكن أن يرفع سعر الدولار أكثر من 18 جنيها خاصة أن الاتفاق مع الصندوق يمنع البنك المركزي من التدخل فى سوق العملة الأجنبية،وبالتالي لا يستطيع ضخ جزء من الاحتياطي لديه للدفاع عن الجنيه، وهناك عامل أخر وهو العامل السياسي خاصة ما تشهده المنطقة الآن من ارتباك ومقاطعة بعض الدول لقطر، هذا العامل قد يؤدي إلى مزيد من التراجع للجنيه أمام الدولار.
والأرجح أن سعر الجنيه من الصعب أن يقترب من الرقم المحدد فى الموازنة الجديدة، وهذا معناه أن تعيد الحكومة حسابات بنود الموازنة خاصة فيما يتعلق بفوائد الدين وأقساطه، ودعم المواد الغذائية ودعم الطاقة والبترول، وبالتالي سيزيد عجز الموازنة العامة للدولة عما هو متوقع حاليا.
سعر الفائدة
* بررت الحكومة رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم.. فهل رفع سعر الفائدة سيخفض التضخم ؟
** الصندوق يرى أن التضخم مشكلة نقدية، وزيادة فى عرض النقود، وبالتالي رفع سعر الفائدة يؤدي لامتصاص الزيادة فى عرض النقود.
لكن هل التضخم فى مصر ظاهرة نقدية ؟ لا.. فجزء من التضخم مشكلة نقدية والأهم أن التضخم ناتج من عدة أسباب أهمها ضعف شديد فى القاعدة الانتاجية وقدرة الاقتصاد على توليد سلع وخدمات، أما السبب الثاني فهو انتشار الاحتكارات فى القطاعات العديد من الاقتصاد سواء فى التجارة أو الصناعة.
هنا تكون معالجة الاحتكارات من خلال قانون فاعل للحماية ومكافحة الاحتكار، وفى مصر لدينا قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، لكن القانون ضعيف جدا لاختلاف تعريف الاحتكار غريب، فالمحتكر مثلا يختار سوقا أو سلعة، لكن القانون لا يحاسبه إلا إذا مارس ممارسات احتكارية، أو أن المحتكر قد سيطر على 65% من السوق لكنه لا يمارس ممارسات احتكارية !! وهذا لا يمكن على الاطلاق أن يسيطر على السوق دون أن يمارس ممارسات احتكارية.
ثانيا العقوبات فى القانون مالية فقط، وفى كل القوانين فى الدول الأخرى عقوبات جنائية بجانب العقوبات المالية، وفى القانون المصري حتى العقوبة المالية مقطوعة أي محددة، وبفعل معدلات التضخم أصبحت بلا قيمة.
والمطلوب تعديل القانون، والنزول بنسبة 65% للسيطرة على السوق واعتباره محتكرا، ووضع عقوبات جنائية بالإضافة إلى عقوبة مالية بحيث تزيد على المكسب الذي حققه من الممارسة الاحتكارية.
كذلك لابد من تفعيل المادة 10 من القانون التي تجيز للسلطة التدخل لوضع أسعار لسلع معينة، وهذه المادة مهملة من الحكومة بسبب اندفاع الحكومة تجاه الاقتصاد الحر.
وهناك سبب أخر للتضخم فى مصر، وهو الإفراط فى تنفيذ المشروعات القومية والتي تؤدي إلى زيادة الطلب ولا تؤدي إلى زيادة العرض.
إذن رفع سعر الفائدة لن يكبح جماح التضخم كما يدعي الصندوق والحكومة ؟
* لكن ما تأثير رفع سعر الفائدة على أوضاع الاقتصاد ؟
** خلال ستة أشهر منذ قرار تعويم الجنيه، تم رفع سعر الفائدة مرتين، لتصل نسبة رفع سعر الفائدة إلى 5%، وهذا له تأثير كبير على زيادة مدفوعات فوائد الدين، خاصة أن الدين العام المحلي بلغ 4ر3 تريليون جنيه، وأن الحكومة قدرت عجز الموازنة بنحو 271 مليار جنيه، أي أنها ستطرح أذون وسندات خزانة بهذا المبلغ، وبالتالي سترتفع الفوائد على الأذون، كما حدث إلى نحو 20%، مما سيزيد من عبء الفوائد بنحو ما بين 30 إلى 35 مليار جنيه،وبالتالي زيادة عجز الموازنة.. ويكون السؤال لمصلحة من رفع سعر الفائدة ؟ الإجابة بسيطة لكل من لديه أموال يشتري بها أوراق مالية حكومية، وهي شريحة صغيرة من المجتمع،وهي إعادة لتوزيع الدخل من الفقراء إلى الاغنياء ومن المصريين إلى الأجانب.
الاستثمار… والفائدة
* وما تأثير رفع الفائدة على الاستثمار ؟
** أولا لابد أن نشير إلى أن الاستثمار يحدث عندما استخدم جزءا من الموارد فى زيادة الطاقة الإنتاجية.
لكن مفهوم الاستثمار لدى الحكومة مختلف، وهو أقرب إلى مفهوم البورصجية وصناعة البنوك والمال ولذلك نجد تصريحات أن المستثمرين الأجانب استثمروا أكثر من 8 مليارات دولار فى أذن الخزانة، هنا المستثمر عينه على سعر الصرف وسعر الفائدة، سعر الدولار تقريبا ثابت حول 18 جنيها منذ قرار التعويم، والمتوقع أن يستمر لفترة، والحكومة رفعت سعر الفائدة ووصلت إلى 20%، والمستثمر الأحنبي فى بلده سعر الفائدة 1 أو 2%، فبالتالي يحول أمواله من دولار إلى جنيه لشراء هذه الأذون للاستفادة من سعر الفائدة العالي، ثم يحول المكسب والأموال إلى دولار للخروج للخارج،وقرارات البنك المركزي الأخيرة بالغاء القيود على تحويلات النقد الأجنبي فى هذا الاتجاه.. هنا المستثمر الأجنبي لا يهتم بمستوى التضخم، أو بالقيمة الشرائية للجنيه،لأنه مستثمر قصير الأجل.
هذه العوامل كانت وراء جذب الأموال الساخنة لمصر للاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة،ولو حدث أن خرجت هذه الأموال فجأة من السوق ستشكل عنصر ضغط على الجنيه وسينهار أكثر، لذا لابد أن يراقب البنك المركزي هذه الأموال بعناية،خاصة توزيع وآجال هذه المحافظ المالية للصناديق.. وهنا لابد أن نشير إلى أن هذه الأموال الساخنة تستنزف الموارد المتاحة للاقتصاد، خاصة أنها ليس لها علاقة بالعملية الانتاجية، وليس لها قيمة مضافة.
الدين الخارجي
* الاتفاق مع الصندوق يعتمد على التوسع فى الاستدانة الخارجية.. وصل الدين الخارجي الآن إلى 71 مليار دولار.. ومن المتوقع أن يصل إلى 110 مليارات دولار فى نهاية البرنامج.. ما خطورة هذا الدين على الاقتصاد المصري ؟
** هناك عدة مخاطر للدين الخارجي، أولهما يرتبط بسعر الصرف، فإذا تحرك سعر الصرف لأعلى سيزيد المعادل للدين الخارجي بالعملة المحلية.
ثانيا هذه الديون تراكمت ليس نتيجة لتطورات إيجابية على مستوى الاقتصاد الحقيقي فى شكل زيادة الإنتاج، بل تراكمت نتيجة لاستخدامها فى سداد عجز الموازنة العامة للدولة وزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي. وفى الحالتين لسداد هذه الديون سيكون بالاستدانة مرة أخرى، ولكن هنا يتوقف على مدى الثقة فى الاقتصاد، أو أن تتنازل الدولة عن جزء من الأصول لبيعها لسداد الدين، كما نسمع الآن عن اتجاه لطرح عدد من شركات البترول والبنوك والشركات فى البورصة.. وبالطبع الحكومة هنا نأخذ الطريق السهل، بدلا من العمل على تحسين أوضاع الاقتصاد الحقيقي، وزيادة الصادرات وخفض الواردات، وبالتالي توفير العملة الأجنبية للسداد.
الاقتصاد والسياسة
* هناك إحجام من القطاع الخاص على الاستثمار.. ويلجأ الرئيس إلى الجيش لتنفيذ الخطة الاستثمارية وإقامة المشروعات.. فما تعليقك ؟
** مصر تمر بمرحلة تاريخية مهمة، وهناك ارتباط بين السياسة والاقتصاد، وبالتالي هناك ضرورة أن تتواصل القيادة السياسية مع مجتمع الأعمال، من منطق أن الدولة تمد يدها إلى مجتمع الأعمال، ونبحث عن مخرج لهذه الأزمة، سواء فى شكل اجتماعات مغلقة أو مؤتمرات.. لكن هذا لم يحدث حتى الآن، وإن كان هناك بعض المناشدات والشكاوى من رجال الأعمال إلى الحكومة. فمثلا فى تجربة أسبانيا فى السبعينيات، وقد مرت بظروف مشابهة لما حدث فى مصر، اجتمعت الحكومة ورجال الأعمال والنقابات العمالية، وحدثت مناقشات بينهم بوضوح، وتم الإعلان عن التزامات متبادلة بين جميع الأطراف، فالدولة التزمت بعدم رفع الضرائب لمدة 3 سنوات، وفى المقابل تعهد رجال الأعمال بضخ استثمارات فى الدولة، وتعهدت النقابات بتجميد الأجور خلال هذه الفترة، أي أن الأطراف كافة قدموا تنازلات، بحيث تكون المحصلة النهائية فى صالح الدولة والجميع فزادت حصيلة الضرائب نتيجة تدفق النشاط الاقتصادي، ومن ناحية خلق فرص عمل جديدة فانخفض معدل البطالة.
مثل هذا التشاور لم يحدث فى مصر، وبالتالي تقاعس رجال الأعمال إما بحسن نية أو بسبب التوقعات للاقتصاد والأوضاع السياسية.. وبالتالي لا يجوز أن نهمل هذه القضية، وندفع بالجيش لإقامة المشروعات وسد الفراغ الناتج عن تقاعس مجتمع الأعمال.
مخاطر.. ودعوة
* لكن ما مخاطر الاعتماد على القوات المسلحة ؟ وكيف يمكن تشجيع مجتمع الأعمال ؟
** عملية سد الفراغ التي يقوم بها الجيش تحتوي على عدة مخاطر، منها الاعتماد المتواصل على الجيش يؤدي إلى إدراك مجتمع الأعمال بانه مهمش وأنه خارج الصورة، وبالتالي تنخفض الاستثمارات، ويخلق هذا القطاع العديد من المشاكل، كما أنه لا يمكن الاستمرار فى الاعتماد على القوات المسلحة فى إقامة المشروعات لأن ذلك سيكون خصما من جاهزية الجيش للقيام بمهامه الأساسية وهي الدفاع عن حدود الدولة والحل فى رأيي أن يدعو الرئيس أو الحكومة لمؤتمر وطني أو اجتماع يضم القطاعات كافة، رجال الأعمال والنقابات العمالية والفلاحين والحكومة لبحث الأمر، والوصول إلى اتفاق أو الويات كما حدث فى تجربة إسبانيا.. فلابد من التعامل السياسي مع القضية، والهدف من ذلك التوصل إلى نوع من التفاهم الذي ينتج عنه تنازلات من جميع الأطراف. وهذه مهمة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
الحسابات الاقتصادية
* ذكرت أن روشتة الصندوق لم تفد الاقتصاد.. فما الروشتة المناسبة للاقتصاد الأن ؟
**على مستوى الاقتصاد هناك حاضن للنشاط الاقتصادي، وهو الاستقرار الاقتصادي، بمعنى التحكم فى الأسعار بحيث تتحرك بوتيرة معقولة، وتتحكم فى أساسيات الاقتصاد، مثل عجز الموازنة والميزان التجاري، وسعر الصرف، هذه البيئة الحاضنة للاقتصاد وتتيح لأي مستثمر أن يحسب حساباته عند بدء المشروع، إذن المدخل لبدء انتعاش الاقتصاد هو الاستقرار الاقتصادي.
وأي اقتصاد له ساقان، هما الزراعة والصناعة، ونحتاج إلى صيغة سياسية تحقق ذلك، فالبداية أن تضع قطاع الزراعة والفلاحين فى الصورة، فالفلاح غائب عن الصورة تماما.. ولا حديث عنه، حتى نقابات الفلاحين التي تحت التأسيس.. ومن هنا لابد أولاً من تعديل قانون العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأرض الزراعية، وهو القانون رقم 97 لسنة 92، فهو قانون جائر على الفلاح، فالقانون أفقد المزارع، وهو أساسا مستأجر أي أمان للمستقبل، لأنه مضطر كل عام أن يتفاوض مع المالك لتوقيع عقد، وبالتالي المالك يتحكم هنا.. والتعديل المطلوب أن يمتد عقد الإيجار لمدة 3 سنوات على الأقل، وليس لعام، مع زيادة القيمة الإيجارية سنويا، لأن نشاط الزراعة يتطلب المحافظة على خصوبة الأرض، كما أن النشاط بطبيعته قد يربح أو يخسر، فمد عقد الإيجار يحقق التوازن للفلاح، ويحافظ على الخصوبة. كذلك مطلوب مشروع قومي للصرف الزراعي، فالزراعة فى مصر مروية، وحالة الصرف الزراعي والذي بدأ فى الستينيات فى انهارت، والأرض « ملحت « فالصرف الزراعي لا يعمل بأكثر من 50% من كفاءته الآن. أخيرا، العمل بنظام الدورة الزراعية عما كانت قبل تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر كذلك فإن النشاط الزراعي يحتاج إلى تمويل وبنك من نوع خاص، وليس الدور الذي يقوم به البنك الزراعي بعد تعديل اسمه من بنك التنمية الزراعية، فالبنك الآن يعمل كبنك تجاري.
الصناعة
* وماذا عن الصناعة ؟
** قطاع الصناعة.. قطاع منسي، فقضية الإنتاج مهملة، والكلام عن نمو اقتصادي تقوده قطاعات العقارات والاتصالات والسيارات.. هذه أعراض صارخة لما يسمى بالمرض الهولندي « وهو يعبر عن خلل المحددات الأساسية للاقتصاد، وينتج هذا الخلل من أن مساحات القطاعات التي تنتج للسوق المحلية لا يمكن تداولها فى الخارج، ومساحات القطاعات التي تصدر تنكمش.
فهناك صناعات ليس لك فيها ميزة نسبية، وتعيش على دعم الدولة، مثل صناعات السيارات، حيث يوجد 15 شركة، والدولة تحقق لها الحماية الجمركية، فالضريبة الجمركية على استيراد مكونات السيارات 15%، والضريبة على السيارات كاملة الصنع 100%، والمنتج يستفيد من هذا الفرق، أي نحو 30% من قيمة السيارة.
فهناك صناعات يجب أن تقوم بها الدولة، وصناعات أخرى تشترك فيها مع القطاعين الخاص والعام وهذا دور الدولة.
لكن إذا قمنا بتحليل مضمون الخطاب الحكومي، نجد أن الإنتاج وقيمته تنخفض بالمقارنة بالحديث عن المستثمرين، وهذا خطأ يجب على الدولة أن تصححه وأن نبث ثقافة اشتري المصري على المستوى الثقافى والاهتمام بقضية الإنتاج، والاهتمام بالصناعات التي تتميز بها مصر بميزة تنافسية.

التعليقات مغلقة.