مؤتمر باريس وشرعية دولية على المحك

18

مؤتمر باريس

وشرعية دولية على المحك

 انعقد بالأمس المؤتمر الدولي للسلام فى الشرق الأوسط أعماله في باريس  بحضور سبعون دولة يمثلون غالبية المجتمع الدولي في مقدمتهم أعضاء مجلس الأمن الدائمين ، وغير الدائمين وجميع الأطراف المعنية بقضية سلام الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل التي قررت مقاطعة المؤتمر ورفض قراراته وتوصياته قبل الانعقاد .. وبعد أن حالت دون انعقاده من قبل خلال العام المنصرم ..

ويأتي المؤتمر بعد صدور قرار مجلس الأمن (2334) في ظل متغير أمريكي برفض استخدام الفيتو ضد القرار الذي صدر بالإجماع وأدان استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات على أرض الضفة والقدس باعتباره عملاً غير قانوني ، وعقبة أمام قيام الدولة فلسطينية مستقلة .

ويأتي انعقاد المؤتمر في ظل أجواء وموقف دولي متزايد للاعتراف بالحق الفلسطيني .. منها قرار منظمة اليونسكو بشأن القدس ووصول عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين إلى (133) دولة مما مهد الطريق لصدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2012 بمنح فلسطين العضوية غير الكاملة والتي منحت فلسطين الحق في الانضمام إلى كافة المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة وفي مقدمتها (محكمة الجنائية الدولية) .

لكن نجاح المؤتمر كان مرهوناً بشرط أساسى لم يتحقق .. وهو إدراك أعضاء المؤتمر أن قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو في الأصل والجوهر قضية احتلال إسرائيل لما تبقى من الوطن الفلسطيني بعد قيامها في 1948 بقرار التقسيم 181/1947 الذي افتقد كل شرعية قانونية ودخول الاحتلال الاسرائيلى للأرض الفلسطينية في الضفة و القطاع عامه الخمسين رغم قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، ومصادراتها أرض الفلسطينيين في الضفة والقدس بما في ذلك أرض الأسر التي تم هدم منازلها والاستيلاء على مزارعها بقوة السلاح .

ومع تواطأ المجتمع الدولي والصمت العربي واصلت إسرائيل في بناء المستوطنات رغم العديد من القرارات الدولية التي أدانت الاستيطان باعتباره عملاً غير قانوني وجريمة حرب تستهدف تغيير الوضع الجغرافي والسكاني للأرض المحتلة كان نتيجتها بناء أكثر من (150) كتلة استيطانية يسكنها (400) ألف مستوطن في الضفة و(200) ألف مستوطن في القدس الشرقية ، إضافة الى (100) بؤرة استيطان أقيمت على أرض الأسر الفلسطينية التي هدمت بيوتها ومزارعها وطردت من أرضها رغماً عن القانون الدولي .

وزاد عليها جدار الفصل العنصري الذي يبتلع الأرض الفلسطينية ويقطع أوصالها دون سند شرعي بل جرمتة محكمة العدل الدولية بلاهاى (2004) .

… ولأن المؤتمرون في باريس لم يبذلوا كل الجهود من أجل إنهاء الاحتلال الذي يمثل آخر وأقبح صور الاحتلال التي عرفتها البشرية على امتداد تاريخها فسوف تبقى القضية تدور في نفس الحلقة المفرغة ذاتها من تفاوض غير مثمر ، كانت نتيجتة تكريس الأمر الواقع على حساب حقوق الشعب الفلسطيني .. وهو ما ظهر بوضوح من ردود فعل حكومة الاحتلال ورئيسها .. ووصفه للمؤتمر بالعملية العبثية وأنه تم بالتآمر بين فلسطين وفرنسا لفرض شروط على إسرائيل وتجعل موقف الفلسطينيين أكثر تشدداً ؟!! .. وأن المؤتمر يمثل الأنفاس الأخيرة لعالم الأمس وسيأتي غداً قريباً وسيكون مختلفاً (تدوينه ترامب لطمأنت إسرائيل في أعقاب قرار مجلس الأمن انتظروا 20 يناير) بالإضافة على تحفظ بريطانيا (صاحبة الوعد المشئوم) ورفضها التوقيع على البيان الختامي للمؤتمر والذي لم يخرج عن التوصيات والتوجيهات ولم يتضمن أجراء واحداً لإزالة الاحتلال وإعادة الحق لأصحابه .. ومع ذلك تعتبر بريطانيا انعقاد المؤتمر ضد رغبات إسرائيل .. هل استعادة الحقوق يستوجب إرضاء المغتصب وعدم إغضابه ؟!!

.. ولكون المؤتمر لم يتمكن من الانتصار للشرعية الدولية واستعادة القضية من الحلقة المفرغة للمفاوضات المباشرة .. براعي منحاز .. واستبعاد كل فعل دولي رغم أن القرار الدولي (181) في 1947 الصادر من الأمم المتحدة واعتبر السند الشرعي لإقامة إسرائيل يتضمن إقامة دولة فلسطين .. إلا أن الكذب والخداع الصهيوني الذي مارسته كل حكومات الاحتلال جعلت من المفاوضات منذ ما بعد 1948 بين إسرائيل وأطراف عربية برعاية أممية وما بعد أوسلوا بين إسرائيل والفلسطين كوسيلة لاستنزاف الوقت والجهد بغير طائل ، بينما تواصل سلطات الاحتلال والاغتصاب في قضم مزيد من الأراضي وبناء المستوطنات فوق الأرض المحتلة .. واشترط رئيس حكومة الاحتلال أن يتم التفاوض دون شروط مسبقة ودون تدخل أي أطراف إقليمية أو دولية بافتراض التكافؤ بين الجاني والضحية – بين الغاصب والمغتصب بين الاحتلال والمحتل .

وانتهى المؤتمر وعاد المؤتمرون واكتفوا بالبيان الختامي الذي لم يتضمن عبارة واحدة أو كلمة واحدة لإعادة الاعتبار للقانون الدولي الذي أهدرته إسرائيل.. لأنه لا معنى لأن توافق أو توقع سبعون دولة تشكل غالبية العالم وقواه المؤثرة في مجريات السياسة الدولية على عدد من القرارات التي تهم الأمن والسلم الدوليين من بينها الإسراع بقيام الدولة الفلسطينية والاعتراف بها دولة مستقلة في إطار حدود 67 ثم تكون النتيجة أن تضرب إسرائيل بعرض الحائط هذه القرارات وتمتنع عن تنفيذ أي منها..

وإذا كانت إسرائيل تعمل على إفشال حل الدولتين  وتحول  دون قيام دولة فلسطين .. فإن الحل الصحيح والموقف الدولي المطلوب هو دعوة أعضاء المجتمع الدولي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي تمتلك (الحدود / الشعب / الدستور) .. واتخاذ كافة الاجراءات الدولية تجاه الدولة المارقة (إسرائيل) على الشرعية الدولية .

.. أتنهى مؤتمر باريس .. وأوشكت إدارة أوباما على الرحيل .. وتبقى الشرعية الدولية على المحك .. أما أن يكتب لها الانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني ومعاقبة المغتصب .. وإنهاء الاحتلال ، وإقناع الرئيس الأمريكي القادم بأن ما ينوي انتهاجه سيكون له أثر مدمر على كل مساعي السلام والاستقرار في المنطقة والتي تنعكس على العالم أجمع .

هل ستنتصر الشرعية الدولية .. انتصاراً للقيم الإنسانية والتحرر ؟! أم ستنتصر البلطجة والاحتلال والاغتصاب والعنصرية ؟!

هذا ما سوف تجيب عليه الأيام القادمة بفعل النضال الفلسطيني الذي لم يعرف المستحيل وزيادة رقعة العقل والمبادئ أمام القوة الغاشمة للاحتلال .    

 

التعليقات مغلقة.