الدكتور رفعت السعيد المفكر والسياسي والقائد الحزبي رؤية عن قرب

108

هنا ليس علينا إلا أن نحاول أن نقترب من الكتابة الموضوعية ، وهي نفسها إشكالية ، وأن نقترب من الكتابة عن شخصية سياسية إشكالية ، وهذه إشكالية أكبر ، مبتعدين قدر الإمكان عن أي طابع ذاتي وانطباعي للكتابة عن رفعت السعيد بمناسبة رحيله المفاجئ عن دنيانا بصخبها ومعاركها وصراعاتها في الخامسة والثمانين من العمر، ولنمارس معه مغامرة “شغب الكتابة”([1]).

1- محاولة للاقتراب :

في بداية محاولة الاقتراب من شخصية الدكتور رفعت السعيد كمفكر وسياسي وقائد حزبي إشكالي فكرنا أن نقترب من محيط الدائرة التي وقف السعيد في مركزها ، ففي المساحة التي تتواجد بها الكثير من أنصاف الأقطار التي تصل بين المحيط والمركز تنطلق عدة إشكاليات فكرية وسياسية متنوعة ، بعضها ينطلق من المحيط الموضوعي وبعضها ينطلق من المركز الذاتي ، بعضها نابع من العصر الذي عاشه وتفاعل معه ، وبعضها نابع من غياب الطابع الموضوعي وغلبة الطابع الذاتي – والانطباعي – في تناول السياسيين عموماً والسياسيين اليساريين بصفة خاصة ، وبعضها نابع من العداوات التي أحاطت به وساهم هو في صنعها ، وبعضها نابع من طبيعة حركة يسارية نشأت متعددة واستمرت متصارعة ، وبعضها نابع من طبيعته الشخصية ، من شخصيته هو كشخصية إشكالية مفجرة للصراعات مفجرة للمعارك مفجرة للمشاكل، ومفجرة لإشكايات الكتابة السياسية عنه وعن دوره السياسي.

  • في محيط الدائرة العامة المحيطة بالدكتور رفعت السعيد يأتي عصر من التحولات السياسية العاصفة ، من عصر عبد الناصر إلى عصر السادات إلى عصر مبارك ، وعصر من التحولات العالمية الكبرى ، من عصر الحرب الباردة وعالم القطبين ، الشرقي والغربي ، الاشتراكي والرأسمالي ، إلى تفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار دولته ومنظومته في أوروبا الشرقية إلى عالم القطب الواحد ، إلى عصر العولمة ، ولم يعش رفعت السعيد هذه العصور وتحولاتها فقط ؛ بل كتب عنها ما يرضي الآخرين العائشين في نفس العصور وتحولاتها وما لا يرضيهم ، بما أنتجته هذه الكتابات وما أنتجه الرضا وعدم الرضا من تفاعل بين إشكاليات هذه التحولات وإشكاليات ما كتبه السعيد عنها([2]).
  • وفي الدائرة العامة ولكن الأكثر قرباً من الدكتور رفعت يأتي اليسار المصري الذي انتمى إليه وشارك في منظماته ونضالاته وكتب عنه مؤرخاً أو ناقداً ، ولم يكن اليسار المصري المنظم شيئاً واحداً ولا تنظيماً واحداً ولا اتجاهاً واحداً ، بل منظمات واتجاهات وتوجهات وبرامج ورؤى واستراتيجيات متعددة ومختلفة ، وكثيراً – بل وكثيراً جداً – متصارعة ، وتفاعلت إشكالية اليسار بمنظماته وتوجهاته المتنوعة مع إشكاليات كتابة رفعت السعيد عن اليسار ومنظماته وإشكالياته ، منتجة حلقة ثانية من حلقات الإشكاليات النابعة من المحيط ([3]).

التعليقات مغلقة.